رحلة1 هي بوابتك العربية لاكتشاف العالم بروح فضولية وشغوفة، حيث نأخذك في جولات سياحية ملهمة تكشف لك عن مدن وأماكن وتجارب تنبض بالحياة.
نقدم محتوى عربيًا مبسطًا وموثوقًا عن التخطيط الذكي للرحلات، ونصائح واقعية تهم كل من يعشق السفر والاستكشاف.
نغطي تجارب السفر، الثقافة المحلية، وأسلوب الحياة حول العالم، بلغة عربية جذابة تقرب المسافات وتثري المعرفة.
يعمل على الموقع فريق من عشّاق الترحال يقدمون لك محتوى توعويًا وتجارب موثقة تساعدك على صنع رحلة فريدة تجمع بين المتعة، التوفير، والفهم الثقافي العميق.

روتردام: الوجه الحديث والمبتكر لهولندا

روتردام: الوجه الحديث والمبتكر لهولندا

مدن تنبض بالحياة:

عندما تمحو الحرب ذاكرة مدينة بأكملها لا يتبقى أمامها سوى خيارين، إما محاولة استعادة الماضي أو اختراع المستقبل. اختارت روتردام الطريق الثاني بجرأة لا مثيل لها.

كما نهضت هذه المدينة الهولندية من تحت ركام قصف مدمر في الحرب العالمية الثانية لتتحول إلى مختبر عالمي للهندسة المعمارية والابتكار الحضري.

روتردام: الوجه الحديث والمبتكر لهولندا
روتردام: الوجه الحديث والمبتكر لهولندا

 إنها ليست مجرد مدينة حديثة. بل هي قصة ملهمة عن الصمود ورؤية مستقبلية جريئة. تجعلها اليوم واحدة من أكثر المدن ديناميكية وتفرداً في أوروبا، وتمثل الوجه المبتكر لهولندا للعالم أجمع.

أ/ من رماد الحرب إلى مختبر معماري عالمي:

كان قصف عام 1940 نقطة تحول حاسمة في تاريخ روتردام. دمر الهجوم الجوي قلب المدينة بالكامل ومحا مركزها التاريخي من الوجود. تاركاً وراءه فراغاً هائلاً وأكثر من 25 ألف مبنى مدمر. فبدلاً من إعادة بناء المدينة القديمة كما كانت. اتخذ مخططو المدينة قراراً جذرياً، قرروا بناء مدينة جديدة تماماً، مدينة للمستقبل.

كان هذا القرار مدفوعاً برغبة في إصلاح عيوب البنية التحتية القديمة، والأهم من ذلك كان بمثابة تحدٍ ورفض لفرض أي أسلوب معماري قديم أو مرتبط بفترة الحرب.

شكلت إعادة إعمار روتردام مشروعاً أيديولوجياً بقدر ما كان معمارياً. حيث تم رفض الخطط الأولية التي كانت تحافظ على بعض المباني القديمة لأنها لم تكن "حداثية" بما فيه الكفاية.

اقرأ ايضا : جولة في مكتبات العالم التاريخية: من دبلن إلى براغ

كما تم تبني "الخطة الأساسية" للمهندس كورنيليس فان ترا عام 1946. والتي رسمت ملامح مدينة حديثة بشوارع واسعة ومبانٍ متعددة الوظائف ومساحات مفتوحة.

 كان الهدف هو تحويل روتردام من مدينة صناعية إلى حاضرة عصرية. ولم يكن هذا التحول ليتحقق لولا الدعم المالي الذي قدمه مشروع مارشال الأمريكي. الذي ساهم بشكل حاسم في إحياء الصناعة وتحديث البنية التحتية في أوروبا الغربية بعد الحرب.

 وهكذا تحولت روتردام إلى لوحة بيضاء للمهندسين المعماريين الحداثيين، وأصبحت مختبراً عالمياً للأفكار الجديدة في الهندسة المعمارية الحديثة والتخطيط الحضري.

ب/ أيقونات معمارية ترسم أفق المستقبل:

أفق روتردام اليوم هو شهادة حية على جرأتها المعمارية. فالمدينة لا تملك طرازاً واحداً مهيمناً، بل هي مزيج انتقائي من الأساليب التي تحتفي بالحرية والتجريب، وتعد معالمها بمثابة أيقونات عالمية للتصميم المبتكر.

البيوت المكعبة (Kijk-Kubus) في روتردام، التي أبدعها المعماري بيت بلوم في الثمانينيات، تُعد من أكثر الأمثلة جرأة على العمارة غير التقليدية.

إن هذه المنازل المائلة بزاوية فريدة لا تقدم مجرد مكان للسكن، بل تعكس فكرة أن العمارة يمكن أن تكون تجربة فنية وتفاعلية مع المدينة، وليست مجرد جدران وسقف.

 هذه المنازل المائلة بزاوية 45 درجة تتحدى مفاهيم السكن التقليدية، حيث أراد بلوم من خلالها خلق "غابة حضرية" تمثل فيها كل وحدة سكنية شجرة مجردة، مما يوفر تجربة معيشية فريدة تتطلب إبداعاً في استغلال المساحات الداخلية.

أما سوق ماركثال فهو تحفة فنية من تصميم شركة MVRDV. يجمع هذا المبنى الضخم على شكل قوس حدوة حصان بين سوق طعام حيوي وشقق سكنية فاخرة. سقفه الداخلي مزين بلوحة جدارية عملاقة وملونة تصور الفواكه والخضروات والزهور، مما أكسبه لقب "كنيسة سيستين في روتردام".

بالإضافة إلى ذلك يمثل المبنى نموذجاً جديداً للمباني متعددة الاستخدامات. حيث تطل نوافذ المطابخ وغرف الطعام في الشقق على السوق الصاخب بالأسفل، معزولة بزجاج ثلاثي يمنع الضوضاء والروائح.

ولا يكتمل الحديث عن أفق المدينة دون ذكر جسر إراسموس. الذي يربط شمال المدينة بجنوبها. هذا الجسر المعلق غير المتماثل الذي صممه بن فان بيركل أصبح الرمز الأيقوني لروتردام الحديثة.

ويُلقب بـ "البجعة" لشكله الرشيق. لم يكن الجسر مجرد بنية تحتية، بل كان إعلاناً عن تحول المدينة ورمزاً لطموحها وديناميكيتها.

وأخيراً، تعد محطة روتردام المركزية التي تم تجديدها عام 2014 بوابة المدينة العصرية، وواجهتها الشمالية الزجاجية الشفافة التي تندمج مع الحي الهادئ خلفها.كما يعكس قدرة روتردام على الحوار بين القديم والجديد. والحفاظ على هويتها المتجددة باستمرار.

ج/ ابتكارات خضراء لمستقبل مستدام:

لم تكتفِ روتردام بكونها رائدة في العمارة. مستفيدة من تحدياتها الجغرافية كمدينة تقع تحت مستوى سطح البحر، لتصبح مختبراً حياً للمدن المقاومة للتغير المناخي.

المزرعة العائمة تُعد مشروعًا مبتكرًا يدهش الزوار والمجتمع على حد سواء، فهي تقدم نموذجًا عمليًا لمستقبل الزراعة المستدامة في المدن الساحلية.

وسط المياه، تنتج هذه المزرعة الألبان والخضروات بطريقة صديقة للبيئة، ما يجعلها رمزًا لإمكانات التكيف البشري مع التغيرات المناخية والازدحام الحضري .وهي أول مزرعة ألبان عائمة في العالم ترسو في ميناء المدينة.

هذا المشروع لا يحل مشكلة ندرة الأراضي الزراعية في المناطق الحضرية فحسب، بل يمثل أيضاً نموذجاً للاكتفاء الذاتي والاقتصاد الدائري.

 فالمزرعة تعمل بالطاقة الشمسية، وتجمع مياه الأمطار، وتُطعم أبقارها بنواتج ثانوية من المدينة مثل بقايا الحبوب من مصانع الجعة المحلية، مما يقلل من النفايات والبصمة الكربونية لإنتاج الغذاء.

وتنظر المدينة إلى أسطح مبانيها على أنها "طبقة ثانية" من المدينة يمكن استغلالها، حيث أطلقت برنامجاً طموحاً لإنشاء الأسطح الخضراء متعددة الوظائف.

كماأن هذه الأسطح لا تقتصر على كونها مساحات خضراء جميلة، بل هي بنية تحتية ذكية تساعد على امتصاص مياه الأمطار الغزيرة، وتخفف من تأثير الجزر الحرارية الحضرية، وتدعم التنوع البيولوجي.

كما طورت روتردام حلولاً مبتكرة لإدارة المياه. مثل "ساحات المياه" (Water Plazas). وهي مساحات عامة مصممة لتكون مناطق ترفيهية في الطقس الجاف.

 وتتحول إلى خزانات ضخمة لتجميع مياه الأمطار أثناء العواصف، مما يحمي المدينة من الفيضانات. هذه العقلية المبتكرة تمتد إلى ميناء روتردام نفسه.

إن أكبر ميناء في أوروبا الذي يسعى ليكون الميناء الأكثر استدامة في العالم. عبر الاستثمار بكثافة في الهيدروجين الأخضر وتقنيات احتجاز الكربون.

د/ نبض الشارع: فن وثقافة ومهرجانات لا تهدأ:

بعيداً عن هياكلها الفولاذية ومشاريعها البيئية. تنبض روتردام بروح ثقافية غنية ومتنوعة. تعكس تاريخها كمدينة ميناء عالمية استقطبت الناس من كل أنحاء العالم. هذا التنوع هو قلب المدينة النابض، ويتجلى بوضوح في شوارعها وأحيائها ومهرجاناتها.

تعد المدينة بمثابة متحف مفتوح لفن الشارع، حيث حول غياب مركز تاريخي قديم جدران المباني الحديثة إلى لوحات قماشية ضخمة لفنانين محليين وعالميين.

في شارع Witte de Withstraat ستشعر وكأنك تسير في معرض فني مفتوح؛ جداريات ضخمة بألوان نابضة بالحياة تزين الجدران، وأعمال فنية مبتكرة تعكس روح المدينة العصرية. كل زاوية تحمل لمسة إبداعية تجعل التجول هناك تجربة لا تُنسى لعشاق الفن والثقافة.
إن الفن في روتردام ليس محصوراً في المتاحف، بل هو جزء لا يتجزأ من النسيج الحضري اليومي.

تستضيف المدينة على مدار العام سلسلة من المهرجانات والفعاليات التي تحتفي بتنوعها الثقافي وحيويتها.

 من أبرزها "كرنفال الصيف" (Zomercarnaval). وهو احتفال ضخم على الطراز الكاريبي . و"أيام الميناء العالمي" التي تتيح للزوار فرصة لزيارة أكبر ميناء في أوروبا من خلال عروض مائية وجولات بحرية مذهلة.

 بالإضافة إلى مهرجان روتردام السينمائي الدولي ومهرجان شمال بحر الجاز. اللذين يجذبان عشاق الفن من جميع أنحاء العالم. هذه الفعاليات تجسد الثقافة في روتردام، وهي ثقافة منفتحة، ديناميكية، ولا تتوقف عن التجدد.

هـ/ وفي الختام: روتردام كنموذج للمدينة المستقبلية:

روتردام هي أكثر من مجرد مدينة أعيد بناؤها. إنها فكرة تحققت على أرض الواقع. قصة عن كيفية تحويل الكارثة إلى فرصة. والفراغ إلى إمكانات لا حدود لها.

لقد أثبتت أن المدينة يمكن أن تكون مرنة ومبتكرة ومستدامة في آن واحد. من خلال هندستها المعمارية التي تتحدى الجاذبية، ومزارعها التي تطفو على الماء، وشوارعها التي تنبض بالفن والثقافة.

كما تقدم روتردام رؤية ملهمة لما يمكن أن تكون عليه مدن المستقبل. إنها ليست وجهة سياحية فحسب، بل هي دعوة مفتوحة للتفكير في مستقبل الحياة الحضرية.

لقد استعرضنا رحلة روتردام من الدمار إلى الريادة العالمية في التصميم والابتكار. برأيك. أي من ابتكارات روتردام المعمارية أو البيئية يمكن أن يكون النموذج الأفضل لمدننا في العالم العربي؟ شاركنا وجهة نظرك في التعليقات.

اقرأ ايضا : رحلة إلى الأحياء اليابانية التقليدية "الغيشا" في كيوتو

هل لديك استفسار أو رأي؟

يسعدنا دائمًا تواصلك معنا! إذا كانت لديك أسئلة أو ملاحظات، يمكنك التواصل معنا عبر صفحة [اتصل بنا] أو من خلال بريدنا الإلكتروني، وسنحرص على الرد عليك في أقرب فرصة ممكنة.

أحدث أقدم

منصة دوراتك استخدم كود وطن واحصل على خصم اضافي35% بمناسبة اليوم الوطني صالح حتى نهاية سبتمبر

نموذج الاتصال