رحلة1 هي بوابتك العربية لاكتشاف العالم بروح فضولية وشغوفة، حيث نأخذك في جولات سياحية ملهمة تكشف لك عن مدن وأماكن وتجارب تنبض بالحياة.
نقدم محتوى عربيًا مبسطًا وموثوقًا عن التخطيط الذكي للرحلات، ونصائح واقعية تهم كل من يعشق السفر والاستكشاف.
نغطي تجارب السفر، الثقافة المحلية، وأسلوب الحياة حول العالم، بلغة عربية جذابة تقرب المسافات وتثري المعرفة.
يعمل على الموقع فريق من عشّاق الترحال يقدمون لك محتوى توعويًا وتجارب موثقة تساعدك على صنع رحلة فريدة تجمع بين المتعة، التوفير، والفهم الثقافي العميق.

سفاري الغوريلا الجبلية: رحلة لا تُنسى في رواندا وأوغندا

سفاري الغوريلا الجبلية: رحلة لا تُنسى في رواندا وأوغندا

 لقاء مهيب مع "الظَهر الفضي"

من الجو الى المغامرة:

يخترق الصمتَ صوتُ تكسّر الأغصان تحت أقدام المرشدين. الهواء كثيف ورطب، يحمل رائحة الأرض الندية وأوراق الشجر المتحللة. الضباب يلف كل شيء، مانحاً الغابة المطيرة هالة من الغموض والرهبة.

 إنه هو، "الظَهر الفضي" (Silverback)، قائد العائلة المهيب، يجلس بهدوء ويمضغ براعم النباتات، وعيناه العميقتان تراقبان الوافدين الجدد بذكاء وفضول.

في تلك اللحظة، يتلاشى كل شيء آخر. إن النظر في عيني غوريلا جبلية ليس مجرد مشاهدة للحياة البرية؛ بل هو لقاء يغير منظور الإنسان لمكانه في العالم الطبيعي، هو حوار صامت مع كائن يشاركنا 98% من حمضنا النووي.

سفاري الغوريلا الجبلية: رحلة لا تُنسى في رواندا وأوغندا
سفاري الغوريلا الجبلية: رحلة لا تُنسى في رواندا وأوغندا

أ/ العمالقة اللطفاء في غابات الضباب: فهم الغوريلا الجبلية:

قبل الانطلاق في هذه المغامرة، من الضروري فهم طبيعة الكائنات التي ستقابلها. الغوريلا الجبلية، واسمها العلمي Gorilla beringei beringei، هي سلالة فرعية من الغوريلا الشرقية وتعد من أكبر الرئيسيات الحية وأكثرها قوة.

بنية اجتماعية معقدة:

تعيش الغوريلا الجبلية في مجموعات عائلية مستقرة تُعرف بـ "القوات" (Troops)، يتراوح عدد أفرادها عادةً حول 10 أفراد، وقد يصل إلى 30 فردًا.

 لا يقتصر دور هذا القائد على التزاوج فقط، بل هو الحامي والمنظم لحياة المجموعة بأكملها، حيث يحل النزاعات ويوجه العائلة إلى أفضل مناطق الطعام والراحة.

وضع الحماية:

تعيش الغوريلا الجبلية في مجموعتين معزولتين فقط في العالم: الأولى في سلسلة جبال فيرونغا البركانية، وهي منطقة تمتد عبر متنزه البراكين الوطني في رواندا، ومتنزه مغاهينجا للغوريلا في أوغندا، ومتنزه فيرونغا الوطني في جمهورية الكونغو الديمقراطية. أما المجموعة الثانية فتقطن في غابة بويندي التي لا يمكن اختراقها في أوغندا.

الملاذان الآمنان: حكاية بلدين:

تتركز تجربة مشاهدة الغوريلا الجبلية في دولتين متجاورتين تقدم كل منهما تجربة فريدة ومختلفة تمامًا، تتشكل طبيعتها حسب تضاريسها وبيئتها الخاصة: رواندا وأوغندا.

  • رواندا وعظمتها البركانية: تقدم رواندا مسرحًا دراميًا لهذه التجربة في متنزه البراكين الوطني، وهو جزء من سلسلة جبال فيرونغا البركانية الخاملة.
  •  أوغندا وغابتها البدائية: على النقيض، تأخذك أوغندا إلى قلب غابة بويندي التي لا يمكن اختراقها، وهي موقع تراث عالمي لليونسكو.

ب/ رواندا: أرض الألف تل والترحيب الملكي:

تُعرف رواندا باسم "أرض الألف تل"، حيث تمنح زوارها تجربة فريدة لتتبع الغوريلا تجمع بين الرفاهية والعناية بالبيئة في مزيج متوازن ومميز.

متنزه البراكين الوطني: مملكة النار والحياة:

يقع متنزه البراكين الوطني في شمال غرب رواندا، ويمتد على مساحة 160 كيلومترًا مربعًا، ويضم خمسة من البراكين الثمانية الرئيسية في سلسلة جبال فيرونغا.

اقرأ ايضا : فوهة نجورونجورو: رحلة سفاري في قلب أكبر فوهة بركانية سليمة في العالم

كما تتدرج النباتات في المتنزه من الغابات الجبلية المنخفضة إلى غابات الخيزران الكثيفة بين ارتفاع 2500 و 3200 متر، والتي تعد مصدر الغذاء المفضل للغوريلا، وصولًا إلى المروج الألبية في القمم.  

لقاء عائلات البراكين:

يضم المتنزه حوالي 12 عائلة غوريلا معتادة على وجود البشر، ولكل منها قصة وشخصية فريدة. من بين أشهر هذه العائلات:

  • مجموعة سوسا (Susa): هي أكبر المجموعات تاريخيًا، وكانت محور دراسات ديان فوسي. تشتهر هذه العائلة بتجوالها في أعالي الجبال، مما يجعل تتبعها تحديًا جسديًا كبيرًا ولكنه مجزٍ للغاية.  
  • مجموعة سابينيو (Sabyinyo): تعد من أسهل المجموعات وصولًا، حيث تقطن غالبًا في غابات الخيزران بين جبلي سابينيو وجاهينجا. يقودها "الظَهر الفضي" المهيب "غوهوندا".  
  • مجموعة أماهورو (Amahoro): اسمها يعني "السلام" باللغة المحلية، وتشتهر بطبيعتها الهادئة. ومع ذلك، يتطلب الوصول إليها تسلقًا حادًا وشاقًا.  
  • مجموعة كويتوندا (Kwitonda): هاجرت هذه العائلة الكبيرة من جمهورية الكونغو الديمقراطية، وتشتهر بتجوالها لمسافات طويلة، مما يجعل تتبعها تحديًا متوسط الصعوبة.  

تجربة التتبع في رواندا:

تبدأ رحلة التتبع في الصباح الباكر، حيث يتجمع الزوار في مقر المتنزه في كينيجي حوالي الساعة 7:00 صباحًا لتلقي إحاطة شاملة حول قواعد السلامة والسلوك.

بعد ذلك، يتم تقسيمهم إلى مجموعات صغيرة لا تتجاوز 8 أشخاص لكل عائلة غوريلا. قد تستغرق الرحلة من 30 دقيقة إلى عدة ساعات، وتتضمن السير على منحدرات بركانية عبر غابات الخيزران الكثيفة.

ج/ أوغندا: قلب أفريقيا البدائي النابض بالحياة:

تقدم أوغندا، "لؤلؤة أفريقيا"، تجربة تتبع غوريلا أكثر جموحًا وغمرًا في أعماق واحدة من أقدم الغابات المطيرة على وجه الأرض.

غابة بويندي التي لا يمكن اختراقها: حصن التنوع البيولوجي:

لا تُعد غابة بويندي مجرد حديقة وطنية عادية، بل تحمل قيمة عالمية باعتبارها أحد مواقع التراث الطبيعي المدرجة على قائمة اليونسكو. يُعتقد أنها "ملجأ من العصر الجليدي"، أي أنها نجت من العصر الجليدي الأخير، مما سمح بتطور تنوع بيولوجي استثنائي على مر آلاف السنين.

كما تمتد الغابة على مساحة 321 كيلومترًا مربعًا، وهي موطن لما يقرب من نصف تعداد الغوريلا الجبلية في العالم، أي حوالي 459 فردًا.

لكن بويندي هي أكثر من مجرد غوريلا. هذا الثراء البيولوجي يجعل من زيارة بويندي تجربة شاملة لعشاق الطبيعة، حيث تكون الغوريلا هي الحدث الأبرز في عرض طبيعي أكبر بكثير.  

تجربة التتبع في أوغندا: مغامرة حقيقية في الأدغال:

اسم "الغابة التي لا يمكن اختراقها" ليس من قبيل المبالغة. تشتهر رحلة التتبع في بويندي بأنها شاقة وصعبة جسديًا. هذه الصعوبة ليست عيبًا، بل هي جوهر التجربة. إنها تكافئ المشاركين بإحساس عميق بالغمر في برية بدائية لم تمسها يد الإنسان، مما يجعل اللقاء بالغوريلا أكثر قوة وتأثيرًا.  

شإلى جانب بويندي، تضم أوغندا متنزه مغاهينجا الوطني للغوريلا، وهو جزء من سلسلة جبال فيرونغا ويقع على الحدود مع رواندا.

يمتاز هذا المتنزه بتضاريس شبيهة بتلك الموجودة في متنزه البراكين، لكنه أقل ازدحامًا، ما يجعله وجهة مثالية لمن يسعى لتجربة هادئة وبعيدة عن صخب الزوار.

الدليل الحاسم: رواندا أم أوغندا؟

يعتمد الاختيار بين رواندا وأوغندا على أولويات المسافر وميزانيته ووقته ومستوى اللياقة البدنية الذي يتمتع به. يقدم الجدول التالي مقارنة مباشرة لمساعدتك في اتخاذ القرار.

د/ دليل المغامر: التخطيط لرحلتك التي لا تُنسى:

أفضل وقت للزيارة: فك رموز الفصول:

  • المواسم الجافة (موسم الذروة): من يونيو إلى سبتمبر ومن ديسمبر إلى فبراير. هذا هو الوقت المثالي للتتبع، حيث تكون المسارات أكثر جفافًا وأقل انزلاقًا، والسماء صافية.
  •  ومع ذلك، هذا هو أيضًا موسم الذروة السياحي، مما يعني أن التصاريح تكون أكثر ندرة والأسعار قد تكون أعلى.  
  • المواسم الممطرة (موسم الركود): من مارس إلى مايو (الأمطار الطويلة) ومن أكتوبر إلى نوفمبر (الأمطار القصيرة).
  •  يكون التتبع أكثر تحديًا بسبب الطين. لكن هناك مزايا: عدد أقل من الزوار، سهولة الحصول على التصاريح، مناظر طبيعية خضراء ومورقة، واحتمالية أن تكون الرحلات أقصر حيث تتغذى الغوريلا على براعم الخيزران على ارتفاعات منخفضة. تقدم رواندا خصومات على التصاريح خلال هذه الفترة.  

تأمين تذكرتك الذهبية: تصريح الغوريلا:

تصريح الغوريلا هو العنصر الأكثر أهمية في رحلتك ويجب حجزه مسبقًا، خاصة لموسم الذروة. الأسعار كالتالي:

  • رواندا: 1,500 دولار أمريكي لغير المقيمين. هناك أسعار مخفضة للمواطنين الأفارقة (500 دولار) والمواطنين من شرق أفريقيا (200 دولار.
  • أوغندا: 700 دولار أمريكي (ترتفع إلى 800 دولار اعتبارًا من يوليو 2024).  
  • الكونغو: خيار أرخص (400-450 دولارًا) ولكنه أقل استقرارًا وأمانًا.  

يمكن حجز التصاريح من خلال منظمي رحلات سياحية معتمدين أو مباشرة من مجلس التنمية الرواندي (RDB) أو هيئة الحياة البرية الأوغندية (UWA) .

هـ/ اللقاء المقدس: قواعد السلوك وأخلاقيات السياحة البيئية:

إن الساعة التي تقضيها مع الغوريلا هي امتياز ثمين، وهي تحكمها قواعد صارمة مصممة لحماية كل من الزوار والحيوانات. هذه القواعد ليست مجرد إرشادات، بل هي أساس العلاقة التكافلية الهشة التي يعتمد عليها بقاء هذا النوع.

آداب التعامل مع الغوريلا: مدونة السلوك:

  • حافظ على مسافة 7 أمتار: هذا هو الحد الأدنى للمسافة الآمنة لمنع انتقال الأمراض البشرية إلى الغوريلا، التي تشترك معنا في 98% من الحمض النووي، ولتجنب إزعاجها.  
  • ممنوع التصوير بالفلاش: يمكن أن يخيف الفلاش الغوريلا أو يثير عدوانيتها.  
  • التزم الهدوء وتجنب الحركات المفاجئة: حافظ على صوتك منخفضًا وتحرك ببطء للحفاظ على بيئة هادئة.  
  • تجنب التواصل البصري المباشر: قد يفسر "الظَهر الفضي" النظر المباشر في عينيه على أنه تحدٍ لسلطته.  
  • انحنِ وكن خاضعًا: عند الاقتراب من المجموعة، اتبع تعليمات المرشد بالانحناء. هذا يظهر احترامك للقائد ويؤكد أنك لا تشكل تهديدًا.  
  • لا تلمس الغوريلا: حتى لو اقترب منك غوريلا صغير بدافع الفضول، لا تمد يدك للمسه. ابق ثابتًا واتبع تعليمات مرشدك.  
  • ممنوع الأكل أو الشرب أو التدخين: هذا يحمي صحتهم ويمنعهم من ربط البشر بالطعام، مما قد يغير سلوكهم الطبيعي.  
  • إذا كنت مريضًا، فلا تذهب: يجب الإبلاغ عن أي مرض، حتى لو كان نزلة برد بسيطة. الأمراض البشرية يمكن أن تكون قاتلة للغوريلا.  

و/ وفي الختام: صدى الغابة:

عندما تغادر الغابة الضبابية وتعود إلى العالم الحديث، يبقى معك شيء من تلك التجربة. إنه صدى اللقاء، ذكرى الهدوء والقوة والروابط الأسرية التي شهدتها.

 إنها رحلة تتجاوز مجرد وضع علامة على قائمة الأماني؛ إنها فرصة لمشاهدة النتائج الملموسة لجهود الحفاظ المخلصة، والمساهمة في مستقبلها، وإعادة الاتصال بالقلب البري لعالمنا.

 انطلق، وشاهد، وتواضع، وسافر باحترام وهدف، لتضمن أن يستمر هؤلاء العمالقة اللطفاء في الازدهار في ممالكهم الجبلية الضبابية لأجيال قادمة.

اقرأ ايضا : سفاري الفيلة: أفضل الأماكن لمشاهدة هذه العمالقة اللطيفة في أفريقيا وآسيا
هل لديك استفسار أو رأي؟

يسعدنا دائمًا تواصلك معنا! إذا كانت لديك أسئلة أو ملاحظات، يمكنك التواصل معنا عبر صفحة [اتصل بنا] أو من خلال بريدنا الإلكتروني، وسنحرص على الرد عليك في أقرب فرصة ممكنة.

أحدث أقدم

منصة دوراتك استخدم كود R1 واحصل على خصم اضافي15%

نموذج الاتصال