تجربة الأوماكاسي في اليابان: عندما تترك قرارك للشيف
تذوّق العالم
ليست مجرد وجبة، بل ميشثاق ثقة:
في قلب فن الطهي الياباني، حيث تتلاقى الدقة مع البساطة، تكمن تجربة تتجاوز مفهوم تناول الطعام التقليدي لتصل إلى مرتبة الطقس الروحي؛ إنها الأوماكاسي.
تبدأ هذه التجربة بعبارة يابانية بسيطة لكنها عميقة المعنى (Omakase)، والتي تُترجم حرفيًا إلى "أنا أترك الأمر لك". هذه الكلمات ليست مجرد طلب، بل هي مفتاح يفتح الباب أمام رحلة طهي فريدة، وميثاق ثقة يُعقد بين الضيف والشيف .
itamae) ) عند الجلوس أمام المنضدة الخشبية المصقولة، ومشاهدة التركيز الهادئ للشيف ولمعان سكينه الحاد، يسلّم الضيف قراراته وخياراته بالكامل لخبير أمضى عقودًا في إتقان فنه.
إنها دعوة للتخلي عن السيطرة، واستبدال قائمة الطعام بحوار صامت مبني على الثقة، حيث يصبح كل طبق مفاجأة مُعدة بعناية فائقة، تعكس ذروة الموسم وإبداع الحرفي.
هذا التقرير لن يقتصر على شرح هذه التجربة فحسب، بل سيأخذ القارئ في رحلة لمعرفة فلسفتها العميقة، وتاريخها العريق، وآدابها الراقية، وكيف يمكن خوض هذه المغامرة بثقة واحترام، حتى مع مراعاة المتطلبات الغذائية الخاصة.
![]() |
تجربة الأوماكاسي في اليابان: عندما تترك قرارك للشيف |
أ/ فلسفة الأوماكاسي: حوار صامت من الثقة بينك وبين الشيف:
إن فهم جوهر الأوماكاسي يتطلب الغوص في أعماق الثقافة والتاريخ الياباني، حيث لم تكن هذه التجربة مجرد خيار فاخر، بل ضرورة عملية تطورت لتصبح شكلاً من أشكال الفن الراقي.
تتقمص تجربة الأوماكاسي جوهر الفلسفة اليابانية في الطهي، (شينراي - Shinrai) بين الطاهي والضيف
وهي علاقة تُشيد عبر سنوات من الإتقان.
تعود جذور هذا التقليد إلى عصر إيدو (1603-1868)، قبل ظهور تقنيات التبريد الحديثة، مما اضطر الطهاة إلى الاعتماد الكامل على المكونات الطازجة والموسمية المتاحة محليًا.
ولكن الأوماكاسي اليوم هو أكثر من مجرد وجبة؛ إنه رفض واعٍ لعبء الاختيار وتحرر من إرهاق اتخاذ القرارات. باختيارك لهذه التجربة، أنت لا تتخلى عن قرارك، بل تمنح ثقتك الكاملة لخبرة الشيف بدلاً من تفضيلاتك الشخصية.
أنت تعترف بأن الطاهي، بفضل معرفته العميقة بالمذاقات والتقنيات، قادر على تقديم ما يفوق توقعاتك ويذهل حواسك في عالم مليء بالخيارات اللامتناهية، يصبح الأوماكاسي ملاذًا للراحة الذهنية يشبه "التخلص من السموم الرقمية".
فهو يحررك من التوتر ويسمح لك بالاستسلام الكامل للّحظة، وأنت واثق من أن كل طبق سيأتي نتيجة إبداع مدروس. في المقابل، يتحمل الطاهي مسؤولية كبيرة تتمثل في مراقبة ردود أفعالك وتعديل التجربة بما يتناسب مع ذوقك، مما يحول الوجبة إلى حوار صامت بين الخبير والمتذوق.
تُقدم هذه المسرحية الطهوية في مساحة حميمية تسمى "كاونتر"، لا تستقبل سوى عدد محدود من الضيوف (عادة من 8 إلى 12). هذا القرب يسمح بتفاعل مباشر حيث يشرح الطاهي قصة كل مكون وتقنية كل طبق، بينما يمكنك أنت المشاركة بأسئلتك وانطباعاتك. في هذا الجو الهادئ والخالي من المشتتات، يصبح التركيز منصبًا بالكامل على الطعام والتواصل الإنساني الأصيل.
غالبًا ما تبدأ الرحلة بمقبلات خفيفة (تسمى zensai) تعكس أجواء الموسم، كقطعة توفو طري أو سلطة مأكولات بحرية رقيقة، تمهيدًا لرحلة تذوقية لا تُنسى.
الجذور التاريخية: من ضرورة عملية إلى فن راقٍ:
تعود أصول الأوماكاسي إلى فترة إيدو1603-1868 في اليابان، وهي حقبة سبقت اختراع وسائل التبريد الحديثة. في ذلك الوقت، كان الاعتماد على الشيف لاختيار أفضل الأسماك المتاحة في اليوم ليس مجرد تفضيل، بل كان ضرورة لضمان الجودة والسلامة.
كان الصيادون يجلبون صيد اليوم إلى السوق، وكان طهاة السوشي الخبراء هم الأقدر على تمييز القطع الأكثر نضارة وجودة. ارتبط هذا المفهوم ارتباطًا وثيقًا بظهور
سوشي إيدوماي (Edomae-style sushi)، وهو أسلوب يعتمد على الأسماك والمأكولات البحرية التي يتم صيدها من خليج طوكيو (المعروف آنذاك بخليج إيدو).
ولأن الأسماك الطازجة كانت تفسد بسرعة، طور طهاة إيدوماي تقنيات مبتكرة للحفاظ عليها وتعزيز نكهاتها، مثل النقع في الخل أو صلصة الصويا (Zuke)، والتمليح (Shiojime)، والمعالجة بالأعشاب البحرية (Kombujime)، والطهي بالبخار أو السلق الخفيف.
هذا السياق التاريخي يعيد صياغة مفهوم "أترك الأمر لك". لم يكن الأمر يتعلق فقط بالذوق، بل بالبقاء. كان الضيف يثق في أن الشيف لن يقدم له فقط ألذ قطعة سمك، بل أيضًا أكثرها أمانًا، والتي تم التعامل معها بالتقنية الصحيحة للحفاظ عليها.
وهكذا، تحولت الثقة من مجرد راحة إلى ضرورة حيوية، مما أسس لعلاقة عميقة بين الحرفي والمستفيد. مع مرور الزمن وتطور تقنيات الحفظ، لم تعد هذه الضرورة قائمة، لكن الفلسفة التي ولدتها بقيت وتطورت.
تحول الأوماكاسي من حل عملي إلى تجربة فاخرة، حيث أصبحت الثقة بالشيف تعبيرًا عن تقدير خبرته التي تمتد لعقود، وإبداعه الفني، وقدرته على تنسيق رحلة طهي لا تُنسى.
الأوماكاسي الحديث: ترياق لعصر الخيارات اللامتناهية:
في عالمنا المعاصر الذي يغمره سيل من الخيارات، حيث نواجه "مفارقة الاختيار" في كل جانب من جوانب حياتنا، من اختيار فيلم لمشاهدته إلى تخصيص طلب القهوة، تأتي تجربة الأوماكاسي كحركة مضادة قوية.
إنها تمثل رفضًا واعيًا لهذا العبء، وتقدم التحرر من إرهاق اتخاذ القرار. عندما يختار الضيف الأوماكاسي، فإنه لا يتخذ موقفًا سلبيًا، بل يقوم بفعل إيجابي يتمثل في تقدير الخبرة على التفضيل الشخصي.
إنه إقرار بأن الشيف، بمعرفته العميقة بالمكونات الموسمية وتقنيات الطهي، هو الأقدر على تقديم تجربة تتجاوز ما يمكن للضيف أن يختاره لنفسه من قائمة طعام.
بهذا المعنى، يصبح الأوماكاسي شكلاً من أشكال "التخلص من السموم الرقمية" أو "الراحة الذهنية". إنه يسمح للضيف بالاسترخاء التام والانغماس في اللحظة، واثقًا من أن كل طبق سيتم تقديمه هو نتيجة دراسة متأنية وإبداع فني.
هذه الثقة الممنوحة للشيف تُقابل بمسؤولية كبيرة من جانبه، حيث لا يقتصر دوره على إعداد الطعام، بل يشمل قراءة ردود أفعال الضيف وتكييف التجربة لتناسب ذوقه وتوقعاته، مما يخلق حوارًا صامتًا وديناميكيًا بينهما.
وهكذا، فإن الأوماكاسي في العصر الحديث ليس مجرد وجبة، بل هو ترف التجربة المنسقة التي يقودها خبير، وهو ما يجعله ذا قيمة خاصة في عالم يضج بالخيارات .
ب/ رحلة الحواس: ماذا تتوقع في تجربة أوماكاسي؟
إن تجربة الأوماكاسي هي مسرحية طهوية متكاملة، مصممة لإشراك جميع الحواس. من اللحظة التي تدخل فيها المطعم حتى القطعة الأخيرة، يتم تنسيق كل تفصيل بدقة ليروي قصة الموسم، والمكونات، وبراعة الشيف.
المسرح: بيئة حميمية وتفاعل مباشر:
غالبًا ما تتم تجربة الأوماكاسي في بيئة حميمية ومصغرة. السمة الأبرز هي المنضدة الطويلة المصنوعة من الخشب الفاتح (عادة السرو الياباني)، والتي تتسع لعدد محدود من الضيوف، يتراوح عادة بين 8 إلى 12 شخصًا فقط.
هذا التصميم ليس من قبيل الصدفة؛ فهو يضع الضيوف في الصف الأمامي، مما يسمح لهم بمشاهدة الشيف وهو يعمل ببراعة ودقة، ويحول عملية إعداد الطعام إلى أداء فني حي.
هذه القرب يسهل التفاعل المباشر، حيث يمكن للشيف شرح أصل كل مكون والتقنية المستخدمة في تحضيره، بينما يمكن للضيف طرح الأسئلة وتقديم انطباعاته. البيئة الهادئة والبسيطة تزيل المشتتات، وتجعل التركيز الكامل منصبًا على الطعام والتفاعل الإنساني.
البناء السردي للوجبة: قصة تُروى في أطباق:
تتبع وجبة الأوماكاسي، التي قد تتكون من 10 إلى 20 طبقًا أو أكثر، بنية سردية تشبه بنية المسرحية اليابانية التقليدية، مقسمة إلى بداية (Jo)، ووسط (Ha)، ونهاية (Kyū) .هذه البنية ليست عشوائية، بل هي مصممة لتوجيه حاسة التذوق في رحلة متدرجة ومتناغمة.
البداية : تبدأ الوجبة عادةً بأطباق خفيفة ومنعشة لإيقاظ الحواس. قد تشمل هذه المرحلة مقبلات صغيرة تُعرف بـ sakizuke أو zensai، مثل قطعة من التوفو الموسمي، أو سلطة بحرية رقيقة.
يليها غالبًا طبق من الساشيمي النقي، الذي يعرض جودة الأسماك الطازجة دون أي إضافات تقريبًا، أو طبق دافئ ومريح مثل كاسترد البيض المطهو على البخار (chawanmushi) .
الوسط : هنا تصل الرحلة إلى ذروتها، حيث يبدأ الشيف في تقديم سلسلة من قطع النيجيري. يتم ترتيب هذه القطع بعناية فائقة، حيث تتدرج النكهات من الأخف إلى الأقوى، ومن الأسماك البيضاء قليلة الدهن (shiromi) مثل الدنيس (Tai) أو السمك المفلطح (Hirame)، إلى الأسماك الفضية ذات النكهة الأغنى مثل الماكريل (Saba) أو السردين (Iwashi) .
تبلغ هذه المرحلة أوجها مع تقديم قطع التونة الثمينة (Maguro)، والتي تتدرج من الجزء الأحمر قليل الدهن (Akami)، إلى الجزء متوسط الدسم (Chūtoro)، وصولًا إلى القطعة الأكثر فخامة ودهونًا والتي تذوب في الفم، وهي بطن التونة (Ōtoro) .
اقرأ ايضا : المطبخ البيروفي: كيف غزا قلوب عشاق الطعام عالميًا؟
النهاية : تختتم الوجبة بأطباق تحمل نكهات أكثر دفئًا وتعقيدًا. قد تشمل هذه المرحلة قطعة من ثعبان البحر المشوي (Unagi أو Anago)، أو لفافة يدوية (Temaki) تُقدم مباشرة من يد الشيف إلى يد الضيف لضمان قرمشة الأعشاب البحرية.
غالبًا ما تكون القطعة قبل الأخيرة هي عجة البيض اليابانية الحلوة (Tamagoyaki)، التي تعتبر بمثابة توقيع الشيف وتعكس مهارته.
وأخيرًا، يُقدم حساء الميسو الدافئ (Misoshiru) لتهدئة المعدة وإنهاء الوجبة بشعور من الراحة والرضا.
روح القائمة: الموسمية
المواسم هي يُعتبر مفهوم الموسمية، أو ما يُعرف باليابانية "شون" الركيزة الأساسية التي تُحدد كل شيء في تجربة بدءًا من اختيار المكونات وصولاً إلى طريقة الطهي والتقديم.
التقديم بلمسة فنية: يُقدم كل طبق، المصنوع من تلك المكونات الموسمية القصوى، في درجة حرارته المثالية التي تُبرز نكهته وقوامه إلى أقصى حد.
جسر ثقافي جديد: لطالما شكل الحصول على تجارب الطهي الياباني الأصيل، وخاصة الراقية منها مثل الأوماكاسي، تحديًا كبيرًا للضيوف المسلمين بسبب القيود الغذائية الصارمة المتعلقة بالحلال. لكن هذا المشهد بدأ يتغير.
القائمة ليست ثابتة، بل هي ابتكار يومي يعتمد كليًا على أفضل وأندر المكونات التي يجدها الشيف في السوق في ذلك الصباح.
هذا الالتزام العميق بالموسمية هو جوهر المطبخ الياباني، وهو يعكس احترامًا عميقًا للطبيعة ودوراتها. ففي الربيع، قد تظهر على القائمة أسماك مثل الدنيس الصغير .
Kasugo) أو حبار اليراعة (Hotaru Ika) .وفي الصيف، يصل قنفذ البحر (Uni) وسمك الأبراميس (Aji) إلى ذروة نكهتهما.
أما الخريف، فهو موسم سمك الصوري (Sanma) وبيض السلمون (Ikura). وفي الشتاء، تتألق الأسماك الدهنية مثل سمك الذيل الأصفر (Buri) والمحار. إن مهارة الشيف الحقيقية لا تكمن فقط في تقنيات التقطيع والتشكيل، بل في قدرته على إبراز النكهة الطبيعية لهذه المكونات الموسمية بأقل قدر من التدخل، مما يسمح لها بالتألق في أنقى صورها.
هذا التركيز الشديد على المكونات النادرة والموسمية له تأثير يتجاوز حدود المطعم. إن الطلب المرتفع على هذه المنتجات عالية الجودة من قبل مطاعم الأوماكاسي الفاخرة يخلق حافزًا اقتصاديًا قويًا للصيادين والمزارعين للحفاظ على الممارسات الحرفية والمستدامة.
فعلى سبيل المثال، يمكن لسمكة تونة زرقاء الزعانف ذات جودة استثنائية أن تباع بمبلغ يغطي نفقات الصياد لعام كامل. وبهذه الطريقة، تساهم تجربة الأوماكاسي بشكل مباشر في دعم واستدامة سلسلة التوريد الغذائي الحرفي في اليابان، مما يربط بين رفاهية تناول الطعام والحفاظ على التقاليد البيئية والاقتصادية.
ج/ فن الإتيكيت: كيف تتذوق الأوماكاسي كالمحترفين؟
إن تناول وجبة أوماكاسي لا يقتصر على تذوق الطعام، بل هو انغماس في طقس ثقافي له قواعده وآدابه. إن اتباع هذه القواعد ليس مجرد علامة على التهذيب، بل هو شكل من أشكال المشاركة الفعالة في التجربة، وهو يعمق من تقديرك لبراعة الشيف ويسمح لك بتذوق كل قطعة كما أراد لها أن تكون.
القاعدة الذهبية: ثق بالشيف:
القاعدة الأساسية والأكثر أهمية في تجربة الأوماكاسي هي الثقة الكاملة في الشيف. لقد تم إعداد كل قطعة من النيجيري بتوازن دقيق بين نكهة السمك، ودرجة حموضة الأرز، وكمية الواسابي.
لذلك، فإن إضافة كميات كبيرة من صلصة الصويا أو الواسابي الإضافي يعتبر إهانة لعمل الشيف، لأنه يوحي بأن إبداعه ناقص ويحتاج إلى تعديل. تجنب طلب مكونات معينة أو إجراء تعديلات، فالهدف هو الانفتاح على رؤية الشيف.
آداب التوابل: الصويا، الواسابي، والزنجبيل:
لكل من التوابل المصاحبة للسوشي دور محدد، وفهم هذا الدور ضروري لتجربة أصيلة:
صلصة الصويا (Shōyu): إذا احتجت لاستخدامها، يجب اتباع الطريقة الصحيحة. اغمس قطعة النيجيري برفق من جانب السمك (neta) وليس من جانب الأرز (shari). غمس الأرز يجعله يمتص كمية كبيرة من الصلصة، مما يطغى على النكهات الدقيقة ويتسبب في تفكك قطعة السوشي.
- الواسابي : في مطاعم الأوماكاسي الأصيلة، يقوم الشيف بوضع الكمية المثالية من الواسابي الطازج المبشور بين السمك والأرز.
- لذلك، لا تقم أبدًا بخلط الواسابي مع صلصة الصويا في طبقك. هذه العادة، الشائعة في الخارج، تعتبر غير لائقة في اليابان وتفسد نكهة كل من الواسابي والصويا.
- الزنجبيل المخلل (Gari): الزنجبيل ليس زينة أو طبقًا جانبيًا يؤكل مع السوشي. وظيفته الأساسية هي تطهير حاسة التذوق بين أنواع الأسماك المختلفة. تناول شريحة رقيقة من الزنجبيل بين قطعة وأخرى يسمح لك بالاستمتاع بنكهة كل قطعة جديدة بشكل كامل ومنفصل.
فن التناول: قضمة واحدة، في الوقت المناسب:
- قاعدة القضمة الواحدة (Hitokuchi): تم تصميم كل قطعة نيجيري لتكون تجربة متكاملة في قضمة واحدة. إن تناولها على قضمتين يفسد التوازن الدقيق بين المكونات ويقلل من التجربة التي صممها الشيف. يجب تناول القطعة بأكملها دفعة واحدة للاستمتاع بالانسجام الكامل للنكهات والقوام.
- التوقيت المثالي: بمجرد أن يضع الشيف قطعة السوشي أمامك، يجب تناولها في غضون 30 ثانية. تم تقديمها في درجة حرارة مثالية (غالبًا ما يكون الأرز دافئًا والسمك باردًا)، والانتظار الطويل يؤدي إلى تغير هذه الحرارة وتأثر القوام، مما يقلل من جودة التجربة.
- الأيدي أم عيدان الطعام؟ من المقبول تمامًا، بل ومن التقليدي، تناول النيجيري باستخدام يديك النظيفتين. يعتبر الكثيرون أن هذا يسمح بإحساس أفضل بقوام القطعة. ومع ذلك، يجب دائمًا تناول الساشيمي (شرائح السمك النيئة بدون أرز) باستخدام عيدان الطعام.
إن اتباع هذه الآداب يحول الضيف من مجرد مستهلك سلبي إلى مشارك نشط في هذه الطقوس. فمن خلال تناول السوشي بالطريقة التي قصدها الشيف، يساهم الضيف في إكمال العمل الفني الذي بدأه الشيف، مما يخلق تجربة أكثر عمقًا وإرضاءً للطرفين.
د/ الأوماكاسي الحلال: تجربة يابانية أصيلة بلمسة إسلامية:
لطالما كان الوصول إلى تجارب الطهي اليابانية الأصيلة تحديًا للمسلمين الملتزمين بالمتطلبات الغذائية الحلال، خاصة فيما يتعلق بتجارب راقية مثل الأوماكاسي.
ومع ذلك، مع تزايد الوعي العالمي والسياحة، أصبح من الممكن الآن الاستمتاع بهذه التجربة الفريدة دون المساس بالمعتقدات الدينية، وذلك بفضل إبداع الطهاة وتوفر البدائل الحلال.
التحدي والحل: بدائل الميرين والساكي:
يكمن التحدي الرئيسي في تحضير السوشي الحلال في استخدام مكونين أساسيين في المطبخ الياباني التقليدي.يستخدم الميرين في تتبيلة أرز السوشي وفي العديد من الصلصات لإضافة حلاوة ولمعان ونكهة أومامي عميقة، بينما يستخدم الساكي في تتبيل الأسماك وإزالة أي روائح غير مرغوب فيها.
ولحسن الحظ، طور الطهاة المتخصصون في المطبخ الياباني الحلال بدائل فعالة تحاكي النكهات الأصلية
البحث عن تجربة أوماكاسي حلال:
في اليابان نفسها، استجابت صناعة المطاعم للطلب المتزايد على الطعام الحلال. رواد المطبخ الحلال في اليابان: يبرز من بين هذه الأمثلة مطعم "أساكوسا سوشي كين" (Asakusa Sushi Ken) في طوكيو، الذي يحمل لقب أول مطعم سوشي في العاصمة يحصل على شهادة حلال معتمدة.
الإبداع الحقيقي يكمن في الروح وليس الوصفة: الطاهي الحقيقي هو من يستطيع، باستخدام بدائل حلال، إعادة خلق ذلك التوازن السحري ذاته بين النكهات والقوام، مع التزامه الثابت بمبادئ الموسمية والجودة العالية. هذا الالتزام بالإتقان وليس مجرد تقليد الوصفات هو ما يجسد الروح الأصيلة لتجربة الأوماكاسي.
رحلة حسية كاملة: تتحول الوجبة إلى عرضٍ يشغل جميع حواسك: مشهد الطاهي وهو يعد الطعام بمهارة فائقة، وصوت السكين الحاد وهي تقطع المكونات الطازجة، ورائحة الخل الياباني المميزة، ثم الإحساس بلمسة الطعام في الفم، ليأتي الذروة مع انفجار النكهات المتوازنة بشكل متناغم.
أنت بطل التجربة: في عالم الأوماكاسي، أنت لست مجرد ضيف سلبي، بل أنت مشارك أساسي في هذه التحفة الفنية ومصدر إلهام للشيف ليرسم لك تجربة طعام شخصية لا تُنسى.
إن وجود الأوماكاسي الحلال يجبرنا على إعادة التفكير في مفهوم "الأصالة" في المطبخ. هل الأصالة مرتبطة بشكل صارم بقائمة مكونات تاريخية، حتى لو كانت بعض هذه المكونات غير متاحة أو مقبولة للجميع؟ أم أنها تكمن في روح وفلسفة الطبق؟
كما يمكن القول إن الشيف الذي يتقن استخدام البدائل الحلال لتحقيق نفس التوازن الدقيق بين النكهات والقوام، والذي يلتزم بمبادئ الموسمية والجودة، يجسد روح الأوماكاسي بشكل أكثر أصالة من مجرد اتباع وصفة قديمة.
إن هذا التكيف لا يمثل تنازلاً، بل هو دليل على مهارة الشيف الحقيقية وعلى الطبيعة الحية والمتطورة لفنون الطهي. علاوة على ذلك، فإن الحاجة إلى إيجاد بدائل للمكونات الأساسية مثل الميرين تدفع الطهاة إلى الابتكار، وتفكيك النكهات الأصلية وإعادة بنائها باستخدام مكونات جديدة، مما قد يؤدي إلى اكتشاف تقنيات ونكهات مبتكرة تثري المطبخ الياباني نفسه.
هـ/ وفي الختام: دعوة للمغامرة والتذوق:
تتجاوز تجربة الأوماكاسي حدود كونها مجرد وجبة لتصبح رحلة شخصية عميقة. إنها حوار بين الثقافات، ودرس في فن التخلي، واحتفاء بجمال الطبيعة العابر.
إنها تجربة تشرك كل الحواس، من مشهد الشيف وهو يشكل الأرز بدقة، إلى صوت السكين وهو يقطع السمك، ورائحة الخل العطرة، وملمس القطعة في الفم، وأخيرًا، انفجار النكهات المتناغم الذي يروي قصة الموسم. كما قال أسطورة السوشي جيرو أونو: "السوشي فن، وأنا الفنان". وفي تجربة الأوماكاسي، أنت لست مجرد متفرج، بل أنت جزء من هذا الفن، والملهم له.
لذا، فإن الدعوة موجهة إليك. في المرة القادمة التي تبحث فيها عن تجربة طعام لا تُنسى، تجرأ على الخروج من منطقة راحتك. ابحث عن تلك المنضدة الخشبية الهادئة، واجلس، وانظر في عيني الشيف، وقل بثقة: "Omakase shimasu" (أنا أترك الأمر لك).
سلّم نفسك لهذه المغامرة، واستعد لتذوق ليس فقط أشهى المأكولات، بل جوهر الثقة، والإبداع، والضيافة اليابانية. إنها ذكرى طهوية ستبقى محفورة في ذاكرتك إلى الأبد، وهي مغامرة متاحة الآن للجميع، بما في ذلك أولئك الذين يبحثون عن تجربة حلال أصيلة، مما يجعل هذا الفن عالميًا بحق.
اقرأ ايضا : مهرجان المأكولات البحرية في سيدني: احتفال بنكهات المحيط.
هل لديك استفسار أو رأي؟
يسعدنا دائمًا تواصلك معنا! بإمكانك إرسال استفساراتك أو تعليقاتك عبر صفحة [اتصل بنا] أو عبر بريدنا الإلكتروني، وسنحرص على الرد عليك في أسرع فرصة ممكنة.