أطباق وطنية غريبة قد لا تعرفها: من "الهاجيس" في اسكتلندا إلى "الهاكارل" في أيسلندا.

أطباق وطنية غريبة قد لا تعرفها: من "الهاجيس" في اسكتلندا إلى "الهاكارل" في أيسلندا.

 تذوّق العالم:

تذوق المجهول:

هل تجرأت يوماً على تذوق المجهول. هل فكرت في أن كل طبق غريب يحمل بين ثناياه قصة شعب وتاريخ أمة. عالمنا مليء بالمفاجآت خاصة عندما يتعلق الأمر بالمأكولات الوطنية التي قد تبدو لنا غريبة لكنها تمثل جوهر ثقافات عريقة. انضم إلينا في رحلة استكشاف لأطباق استثنائية من الهاجيس الاسكتلندي العريق إلى الهاكارل الأيسلندي الجريء. لنكتشف معاً ما تخبئه موائد العالم من أسرار.

أطباق وطنية غريبة قد لا تعرفها من الهاجيس في اسكتلندا إلى الهاكارل في أيسلندا.
أطباق وطنية غريبة قد لا تعرفها من الهاجيس في اسكتلندا إلى الهاكارل في أيسلندا.


أ / الهاجيس الاسكتلندي: نبض التقاليد في قلب المرتفعات:

 ما هو الهاجيس؟ مكوناته وطريقة تحضيره الفريدة.

الهاجيس هو الطبق الوطني لاسكتلندا. إنه نوع من البودنج التقليدي الذي يحمل في طياته تاريخاً عريقاً. يتكون هذا الطبق أساساً من أحشاء الخروف المفرومة. تشمل هذه الأحشاء القلب والكبد والرئتين. تُخلط هذه المكونات بالشوفان ودهن الخروف وتُتبل بالبصل والفلفل الحار وتوابل أخرى مميزة.  

تُعد طريقة تحضير الهاجيس التقليدية فريدة من نوعها. يُحشى هذا المزيج داخل معدة الخروف نفسها. بعد ذلك يُغلى لساعات حتى ينضج تماماً ويكتسب قوامه ونكهته المميزة. على الرغم من هذه الطريقة التقليدية التي قد تبدو غريبة للبعض. تتوفر اليوم نسخ  

نباتية من الهاجيس. تُحشى هذه النسخ بالبقول والفاصوليا والشوفان والبصل. هذا التنوع يجعل الطبق متاحاً لجمهور أوسع مع الحفاظ على مكانته الثقافية. إن قدرة الأطباق التقليدية على التكيف مع التغيرات في الأذواق والاحتياجات الغذائية الحديثة مع الحفاظ على مكانتها الثقافية يبرز مرونة التراث الغذائي.  

تاريخ الهاجيس وأهميته الثقافية في اسكتلندا.

على الرغم من ارتباطه الوثيق باسكتلندا منذ منتصف القرن الثامن عشر. كان الهاجيس طبقاً شائعاً في إنجلترا قبل ذلك بكثير. ترجع جذوره إلى عصور قديمة، وورد ذكره في كتابات مؤلفين كماركوس أبيشيوس وهوميروس. نشأ الطبق من تقاليد السلتيين القدماء. كانوا يستغلون الحيوان كاملاً لتجنب الهدر مما أدى إلى ظهور أطباق مثل الهاجيس.  

تغيّر مصير طبق الهاجيس بشكل ملحوظ في أواخر القرن السابع عشر. بدأ يختفي من الموائد الإنجليزية نتيجة التحولات الغذائية وتنوع المنتجات المتاحة آنذاك.  أما في اسكتلندا، فقد ازدهر الهاجيس بفعل الظروف الاقتصادية التي فرضت استخدام مكونات زهيدة الثمن. كما ساهمت الانتقادات الإنجليزية للثقافة الاسكتلندية في تعزيز تبني الاسكتلنديين للهاجيس كرمز لهويتهم المتميزة. إن انتقاله من طبق شعبي بسيط إلى رمز وطني اسكتلندي، خصوصًا أمام الانتقادات الخارجية، يكشف كيف يتحول الطعام إلى وسيلة لتأكيد الهوية ومقاومة التحديات الثقافية. هذا يبرز دور الطعام كعنصر سياسي واجتماعي لا مجرد مصدر للتغذية.  

يُحتفل بالهاجيس بشكل خاص في ليلة بيرنز السنوية في 25 يناير. هذه الليلة تُقام تكريماً للشاعر الاسكتلندي روبرت بيرنز الذي خلّد الطبق في قصيدته الشهيرة "خطاب إلى الهاجيس" عام 1786. يُقدم الطبق باحتفالية مصحوبة ب  

المزمار الاسكتلندي. إنه جزء لا يتجزأ من تراث اسكتلندا وتميزها في فن الطهي. يُقدم الهاجيس عادة مع  

اللفت المهروس (نيبس) والبطاطس المهروسة (تاتيز). يُشرب معه الويسكي الاسكتلندي كتقليد متبع.  

ب / الهاكارل الأيسلندي: تحدي النكهات من أعماق المحيط المتجمد:

 لغز الهاكارل: قرش مخمر بطريقة غريبة تثير الدهشة في طريقة تحضيره.

الهاكارل أو القرش المخمر هو الطبق الوطني لأيسلندا. يُصنع بشكل أساسي من لحم قرش جرينلاند أو أنواع أخرى من أسماك القرش النيام. لحم قرش جرينلاند طازجاً  

سام بسبب محتواه العالي من اليوريا وأكسيد ثلاثي ميثيل الأمين. لجعلها صالحة للأكل تُتبع عملية تخمير تقليدية فريدة.  

تبدأ العملية بقطع القرش ودفنه في حفرة ضحلة بالرمال الحصوية. يُغطى القرش بالرمال والحصى وتوضع فوقه حجارة لضغط السوائل السامة خارج الجسم. تستمر هذه العملية من ستة إلى اثني عشر أسبوعاً حسب الموسم. بعد التخمير يُقطع اللحم إلى شرائح ويُعلق ليجف في الهواء لعدة أشهر. تتكون خلال هذه الفترة قشرة بنية تُزال قبل التقديم.  

يتميز الهاكارل برائحة الأمونيا القوية جداً. تُشبه هذه الرائحة منتجات التنظيف أو البول. له طعم سمكي قوي ومكتسب. يصفه البعض بأنه "حلو. جوزي. وسمكي خفيف" بعد تجاوز حاجز الرائحة الأولية. إن التباين الصارخ بين الرائحة القوية والطعم الذي يمكن أن يكون حلواً وجوزياً يسلط الضوء على أن الحاجز الأول لتجربة الأطباق الغريبة غالباً ما يكون حسياً مثل الرائحة وليس بالضرورة الطعم الفعلي. هذا يشير إلى أن الانطباعات الأولية قد تكون مضللة وأن التجربة تتطلب تجاوز هذه الحواجز الحسية المبدئية.  

 الهاكارل في الثقافة الأيسلندية: طبق الضرورة والاحتفال.

تعود أصول الهاكارل إلى مستوطني الفايكنج الأوائل في أيسلندا. لقد طوروا هذه الطريقة للحفاظ على الأسماك السامة وجعلها صالحة للأكل في بيئتهم القاسية. هذا يبرز قدرتهم على الصمود والابتكار في مواجهة الظروف الصعبة. يُعد الهاكارل أكثر من مجرد طبق. إنه  

رمز للصمود والابتكار الأيسلندي. إنه يجسد قدرة الأمة على التكيف مع بيئتها القاسية.  

يُقدم الهاكارل غالباً كجزء من قائمة "ثوراماتور" في مهرجان "ثورابلت" الشتوي. خلال هذا المهرجان يجتمع السكان للاحتفال بتراثهم وقوتهم. يُنصح بتناوله مع جرعة من مشروب  

"برينيفين" المحلي وهو نوع من الأكفيت للمساعدة في التخفيف من حدة الطعم. كما يُنصح بتناوله مع  

خبز الجاودار لتحقيق توازن في النكهات.  

تثير المعلومات المتعلقة باستدامة صيد قرش جرينلاند ومخاوف الحفاظ على هذا النوع تساؤلات مهمة حول استهلاك الأطباق التقليدية في العصر الحديث. هذا يضيف بُعداً معاصراً للمقال. إنه يوازن بين الاحتفاء بالتراث الثقافي والمسؤولية البيئية مما يعزز من عمق التحليل ويجعل المحتوى أكثر شمولية.  

ج / أطباق أخرى حول العالم: رحلة تذوق لا تُنسى:

 البالوت الفلبيني: بيضة البط المخصبة.

البالوت هو طبق فلبيني شهير. يتكون من بيضة بط مخصبة تُحضن لحوالي 18 يوماً. تحتوي البيضة على  

جنين بط متطور مع عظام رخوة وريش صغير. يُستهلك كاملاً.  

يعود أصل ممارسة استهلاك البيض المخصب إلى الصين. حيث كان يُستخدم لإطالة مدة صلاحية البيض قبل اختراع الثلاجات. وصل البالوت إلى الفلبين في القرن السادس عشر عبر التجار الصينيين الذين استقروا على طول شواطئ بحيرة لاغونا دي باي.  

يُعد البالوت وجبة خفيفة شعبية أو جزءاً من الولائم الاحتفالية. يُعتقد أن له فوائد صحية متعددة. كما يُصنف كمنشط جنسي في بعض الثقافات. في الغرب يُنظر إليه كطبق "غريب" أو "مقزز". يُستخدم في تحديات الطعام لإثبات "الرجولة". هذا التناقض بين اعتباره منشطاً جنسياً وذا فوائد صحية في موطنه وبين اعتباره "مقززاً" ومادة لتحديات الطعام في الغرب يعكس الفجوة الثقافية في فهم الطعام. هذا يؤكد على أن "الغرابة" ليست سمة متأصلة في الطبق بل هي نتاج منظور ثقافي مختلف.  

 السورسترومينغ السويدي: رائحة التحدي وطعم التقاليد.

السورسترومينغ هو سمك الرنجة المخمر من بحر البلطيق. يُعرف ب  

رائحته القوية جداً التي تنتج عن عملية التخمير التي تستمر ستة أشهر على الأقل.  

نشأ هذا الطبق كضرورة تاريخية في القرن السادس عشر. كان ذلك بسبب ارتفاع تكلفة الملح مما دفع الأسر إلى استخدام محلول ملحي أضعف وتخمير السمك للحفاظ عليه لفترات طويلة.  

يُعد السورسترومينغ جزءاً أساسياً من الثقافة السويدية. يُقدم تقليدياً مع الخبز الرقيق (تونيبرود) والبطاطس المسلوقة والبصل. غالباً ما يُشرب معه الشنابس. يُحتفل به في موسم خاص يُدعى  

"سورسترومينغ بريميير" يبدأ في الخميس الثالث من أغسطس. اكتسب السورسترومينغ شهرة عالمية مؤخراً عبر  

"تحدي السورسترومينغ" على وسائل التواصل الاجتماعي. يشارك الناس ردود أفعالهم المبالغ فيها تجاه رائحته القوية. أصبح سورسترومينغ تحديًا على منصات التواصل، ما يعكس تأثير العولمة والرقمية في إعادة تشكيل علاقتنا بالأطعمة التقليدية. فبدلاً من كونه تجربة ثقافية أصيلة قد يصبح مجرد أداة للترفيه. هذا يطرح تساؤلات حول الحفاظ على الأصالة الثقافية في العصر الرقمي.  

د/ لماذا تثير هذه الأطباق فضولنا؟ نظرة على التنوع الثقافي البشري:

تثير هذه الأطباق فضولنا لأسباب متعددة. العديد منها نشأ من الحاجة إلى الحفاظ على الطعام في ظروف قاسية. أو استغلال كل جزء من الحيوان لتجنب الهدر. هذا ما رأيناه بوضوح في الهاجيس والهاكارل والسورسترومينغ. هذا يبرز قدرة الإنسان على الابتكار والتكيف مع بيئاته المحدودة. تعكس هذه الأطعمة براعة الإنسان في التكيّف مع ظروف بيئية متنوعة وقاسية أحيانًا. وابتكار طرق فريدة لجعل الموارد المتاحة صالحة للأكل ولذيذة حتى لو بدت غريبة للآخرين.  

تتجاوز هذه الأجارب مجرد الغذاء لتصبح جزءاً لا يتجزأ من الهوية الثقافية للشعوب. إنها رموز للصمود والتراث. يظهر ذلك جلياً في احتفالات ليلة بيرنز ومهرجان ثورابلت. هذا القسم يجمع الخيوط المشتركة من الأمثلة السابقة. يؤكد أن "غرابة" الأطباق هي انعكاس للظروف التاريخية والبيئية والثقافية. إنها ليست عيباً فيها. هذا يعزز رسالة المقال حول تقدير التنوع الثقافي.  

تُذكرنا هذه الأطباق بأن مفهوم "الطبيعي" أو "المقبول" في الطعام هو أمر نسبي يتشكل بالثقافة والبيئة. خوض تجربة اكتشافها يشجعنا على احتضان التنوع الإنساني وفهم العالم بعيون أكثر انفتاحًا وبدون أحكام جاهزة.

هـ/ الخاتمة:

لقد قمنا برحلة شيقة حول العالم. تعرفنا على أطباق وطنية فريدة بطابع غريب، لكنها مفعمة بالحكايات والتاريخ العريق. من الهاجيس الذي ينقلنا إلى أعماق المرتفعات الاسكتلندية، إلى الهاكارل الذي يرمز لصمود الأيسلنديين أمام قسوة الطبيعة. مروراً بالبالوت والسورسترومينغ. أدركنا أن الطعام ليس مجرد وقود للجسد.

إنه انعكاس صادق لثقافة شعب، يحكي تاريخه وتحدياته وإبداعه في مواجهة الواقع.. كل قضمة من هذه الأطباق تحمل معها إرثاً ثقافياً عميقاً. يدعونا إلى تقدير التنوع البشري والاحتفاء بالاختلافات التي تجعل عالمنا أكثر ثراءً.

الآن وقد شاركناكم هذه المغامرة المذاقية حان دوركم. هل سبق لكم تذوق أي من هذه الأطباق الغريبة. أو هل هناك طبق وطني آخر ربما لم نذكره أثار دهشتكم أو فضولكم. ننتظر بفارغ الصبر مشاركاتكم وتعليقاتكم في الأسفل. فكل قصة تذوق هي نافذة جديدة على عالمنا المتنوع. شاركونا تجاربكم وأفكاركم ودعونا نواصل رحلة "تذوّق العالم" معاً.

 هل لديك استفسار أو رأي؟

يسعدنا دائمًا تواصلك معنا!

يمكنك إرسال ملاحظاتك أو أسئلتك عبر صفحة [اتصل بنا] أو من خلال البريد الإلكتروني الخاص بنا، وسنكون سعداء بالرد عليك في أقرب وقت.


أحدث أقدم

"منصة دوراتك اختيارك الامثل لتطوير ذاتك"

استخدم كود R1 واحصل على خصم اضافي 25% لاول 50مشترك

"منصة دوراتك اختيارك الامثل لتطوير ذاتك"

استخدم كود R1 واحصل على خصم اضافي 25% لاول 50مشترك

استخدم كود R1 واحصل على خصم اضافي 25% لاول 50مشترك

نموذج الاتصال