الكسكس: الطبق الذي يوحد شمال أفريقيا

الكسكس: الطبق الذي يوحد شمال أفريقيا

 تذوّق العالم:

 رحلة طبق يروي حكايات الوحدة

هل فكرت يومًا أن طبقًا واحدًا يمكن أن يتجاوز حدود الجغرافيا والسياسة ليصبح رمزًا حيًا لوحدة شعوب بأكملها. هذا هو حال الكسكس الطبق الأسطوري الذي يتربع على عرش المائدة في شمال أفريقيا. ليس مجرد وجبة بل هو قصة تاريخ وحضارة. تقاليد عريقة تتوارثها الأجيال. يجمع الأسر والأصدقاء حول مائدة واحدة. يعكس غنى التنوع الثقافي في المنطقة. وفي الوقت ذاته يؤكد على عمق الروابط التي تجمع بينها. هيا نبدأ مغامرة ممتعة نغوص فيها في أعماق هذا الطبق العريق. 

الكسكس: الطبق الذي يوحد شمال أفريقيا
الكسكس: الطبق الذي يوحد شمال أفريقيا


أ / الكسكس: جذور تاريخية تمتد عبر العصور:

إن تاريخ الكسكس ليس مجرد حكايات تُروى. بل هو جزء عميق الجذور من تاريخ وثقافة المنطقة. يمتد عبر آلاف السنين. مما يجعله شاهدًا على تعاقب الحضارات.

أصوله الأمازيغية وأدلته الأثرية

يعتقد أن أصل كلمة كسكس يعود إلى اللغة الأمازيغية. لكن تحليلها الدقيق لا يزال محل جدل بين الباحثين. من أقدم الأدلة المادية التي توثق تاريخ  

الكسكس ما تم العثور عليه في مقابر تعود إلى فترة الملك النوميدي ماسينيسا (238-148 قبل الميلاد). فقد اكتُشفت في تلك المدافن أوانٍ وأدوات طهي تشبه إلى حد كبير ما يُستخدم حاليًا في إعداد الكسكس. مما يعد دليلاً أثرياً مهماً يثبت أن هذا الطبق ليس مجرد وجبة غذائية بل جزء عميق الجذور من تاريخ وثقافة المنطقة. إن استمرارية وجود أدوات تحضير الكسكس منذ آلاف السنين. وتحديداً من فترة الملك الأمازيغي ماسينيسا. تشير إلى أن هذا الطبق ليس مجرد ابتكار عابر. بل هو جزء لا يتجزأ من النسيج الحضاري الأمازيغي الذي شكل أساس ثقافات شمال أفريقيا. هذا الاستمرار يعكس قدرة هذا الطبق على التكيف والبقاء كعنصر غذائي وثقافي أساسي. مما يجعله رمزًا للصمود الثقافي.  

ب / انتشاره وتطوره:

لم يكن الكسكس يوماً مجرد وجبة غذائية بسيطة. بل أصبح عبر القرون ركيزة أساسية في تشكيل الهوية الثقافية والاجتماعية لشعوب شمال أفريقيا. استطاع  

الكسكس أن يغزو الذوق الفرنسي إلى درجة أنه احتل المرتبة الثانية في قائمة الأطباق المفضلة لدى الفرنسيين وفقاً لاستطلاع للرأي. وفي جزيرة صقلية الإيطالية أصبح للكسكس مكانة خاصة بفضل التأثيرات المغاربية القديمة حتى بات جزءاً من بعض الوصفات المحلية هناك. كما انتقل  

الكسكس إلى الأندلس ثم إلى أمريكا اللاتينية مع الحملات الاستعمارية لإسبانيا والبرتغال. الانتشار الواسع للكسكس خارج شمال أفريقيا. وصولًا إلى أوروبا وأمريكا اللاتينية. يبرز قدرته على التكيف والاندماج في ثقافات غذائية متنوعة. هذا لا يعكس فقط جاذبية الطبق. بل يشير أيضًا إلى قوة التبادل الثقافي عبر التاريخ. حيث أصبحت الأطباق سفراء للحضارات.  

شهادات الرحالة والمؤرخين

ذُكر الكسكس في مصادر تاريخية عديدة. أبرزها ما جاء على لسان ابن دريد في القرن الثالث الهجري. حيث ذكر كلمة كسكس وقال إنها تعني تفتيت الخبز إلى قطع صغيرة. ووردت في الكتاب أيضاً اشتقاقات مثل خبز كسيس. المؤرخ الفرنسي شارل أندريه جوليان خصص جزءاً من عمله الشهير "تاريخ شمال أفريقيا" للحديث عن هذا الطبق. وقد أشار إلى أن البربر عُرفوا بصلابة أجسامهم وطول أعمارهم، وكان طعامهم الأساسي يتمحور حول  

الكسكس منذ الحقبة الرومانية. في مدونات القرن السادس عشر للمؤرخ المغربي الحسن اليوسي. وصف سكان شمال أفريقيا بكونهم يتميزون بحلق الرؤوس وأكل  

الكسكس ولبس البرنوص. شهادات المؤرخين والرحالة عبر العصور. التي تربط  

الكسكس مباشرة بالهوية الأمازيغية وسكان شمال أفريقيا. تضفي على الطبق بعدًا أنثروبولوجيًا عميقًا. فهو ليس مجرد غذاء. بل علامة فارقة في تعريف الشعوب. مما يجعله عنصرًا أساسيًا في السرديات التاريخية والثقافية للمنطقة.

هل فكرت يومًا كيف يمكن لطبق واحد أن يحمل كل هذا الإرث التاريخي. وأن يصبح جزءًا لا يتجزأ من هوية شعوب بأكملها. شاركنا رأيك.


ج / الكسكس كتراث عالمي: قصة توحيد اليونسكو:

في خطوة تاريخية غير مسبوقة. تحول الكسكس من طبق يثير التنافس إلى رمز للتعاون الثقافي. حيث لعب دورًا محوريًا في توحيد دول شمال أفريقيا.

الجهود المغاربية المشتركة

حتى عام 2018. كان المراقبون يترقبون معركة طاحنة بين المغرب والجزائر حول الكسكس. حيث تحول الموضوع إلى واجهة جديدة للصراع السياسي بين البلدين. وتبادلت الحكومتان الاتهامات بمحاولة احتكار الطبق. لكن الانتشار الأوسع لطبق  

الكسكس كان سبباً في منع حدوث هذه المواجهة الثنائية. إذ سرعان ما انضمت تونس وموريتانيا إلى النقاش. وقد اتفقت هذه الدول الأربع على تحضير ملف مشترك بينها وتقديمه لليونسكو. تحول الكسكس من نقطة خلاف سياسي بين دولتين إلى عامل توحيد لعدة دول مغاربية. يمثل نموذجًا فريدًا للدبلوماسية الثقافية. حيث يمكن للتراث المشترك أن يتجاوز التوترات السياسية ويصبح جسرًا للتعاون. هذا يدل على أن القوة الناعمة للثقافة يمكن أن تكون أكثر تأثيرًا من النزاعات.  

اعتراف اليونسكو

أعلنت منظمة اليونسكو منتصف ديسمبر 2020. عن إدراجها "المهارات والخبرة والممارسات المتعلقة بإنتاج واستهلاك الكسكس" في قائمة اليونسكو للتراث الثقافي غير المادي. اعتبرت اليونسكو أن هذا الإدراج المشترك يبيّن "إلى أي حدّ يمكن للتراث الثقافي غير المادي أن يكون موضوعاً يجمع الدول ويحضّها على التعاون". أبدت المنظمة ميلاً خاصاً لربط هذا الطبق الشهير بالإرث الثقافي الأمازيغي. حيث وصفته في موقعها الرسمي بـ"الطبق الأمازيغي" الضارب في القدم. اعتراف اليونسكو بالكسكس كتراث مشترك. وتأكيدها على أصوله الأمازيغية. يضفي شرعية دولية على هويته الثقافية. هذا لا يحمي الطبق فحسب. بل يعزز أيضًا الوعي العالمي بأهمية التراث الأمازيغي ودوره في تشكيل ثقافة شمال أفريقيا. مما يساهم في تقدير أعمق للتنوع الثقافي.  

دأفضل كسكس هو الذي تعدّه أمي": رمزية الوحدة في التنوع:

في محاولة لبقة لتجاوز الجدل القائم حول تاريخ نشأة هذا الطبق وأصوله الثقافية. توصلت اليونسكو إلى أن فريق الخبراء الذين أعدوا ملف الترشيح ضم ممثلين من البلدان الأربع المغاربية. قد اتفقوا على النتيجة نفسها. "أفضل كسكس هو الذي تعدّه أمي". هذه العبارة البسيطة والعميقة "أفضل كسكس هو الذي تعدّه أمي". التي اتفق عليها الخبراء. تمثل ذروة التوافق الثقافي. إنها تحول التركيز من ادعاءات الملكية الوطنية إلى تجربة شخصية عالمية ومشتركة. مما يعكس أن الوحدة الحقيقية تكمن في الروابط الإنسانية والعاطفية التي تتجاوز الحدود السياسية.  

طموح ليبيا

تسعى ليبيا لإثبات أن طبق الكسكس. المعروف محلياً بـ"الكسكسي". يخصها بقدر ما يخص جيرانها في المغرب العربي. وتطمح إلى تقدير دولي لتراثها المطبخي والثقافي الغني. ليبيا هي الدولة الوحيدة في شمال أفريقيا التي لم تُسجل بعد كمعنية بتقاليد  

الكسكسي. المدرجة منذ عام 2020 ضمن قائمة اليونسكو للتراث الثقافي غير المادي. ويعود هذا إلى عدم انضمام ليبيا إلى هذه المعاهدة الدولية. سعي ليبيا الحثيث للانضمام إلى قائمة اليونسكو. على الرغم من الظروف السياسية الصعبة. يؤكد على الأهمية الوجودية للكسكس كهوية ثقافية للشعب الليبي. هذا يظهر أن التراث الثقافي يمكن أن يكون قوة دافعة للوحدة الوطنية. حتى في أوقات الانقسام.  


هـ / تنوع الكسكس الإقليمي: مرآة لثقافات شمال أفريقيا:

على الرغم من جوهره الموحد. يتميز الكسكس بتنوع مذهل عبر مناطق شمال أفريقيا. مما يجعله مرآة حقيقية لخصائص كل شعب وبيئته.

الكسكس في المغرب

يُعد الكسكس في المغرب من أبرز الأطباق التراثية التي تُقدم في معظم المناسبات دون استثناء. وهو وجبة أساسية كل يوم جمعة بعد انتهاء الصلاة. يقدم  

يُقدّم الكسكس المغربي ساخنًا داخل وعاء طيني تقليدي يُعرف باسم "القصعة". كما يمكن تحضيره بأنواع عدة من حبوب الكسكس. يرتبط تحضير  

الكسكس في المغرب بعدد من الأدوات والأواني التقليدية. أهمها الرحى اليدوية والمغرفة الخشبية والغربال والكسكاس والبرمة والقصعة. ارتباط  

الكسكس بيوم الجمعة في المغرب ليس مجرد عادة غذائية. بل هو طقس اجتماعي وديني يعزز الترابط الأسري والمجتمعي. هذا يظهر كيف يمكن لطبق أن يتجاوز وظيفته الأساسية ليصبح جزءًا من النسيج الزمني والروحي للمجتمع.

الكسكس في الجزائر

يعتبر الكسكس في الجزائر طبقاً منزلياً بامتياز. وتكاد كل أسرة جزائرية تتوفر على شخص يمكنه تحضير هذه الوجبة. ويُعد هذا الفن تقليدًا نسائيًا بامتياز، تتوارثه النساء الجزائريات من الجدات للأمهات. تذكر دراسات أنه توجد في الجزائر أكثر من 300 طريقة لإعداده. وتختلف طريقة تحضيره من ولاية لأخرى وحتى من مدينة صغيرة إلى أخرى. من أنواع  

الكسكسي المختلفة في الجزائر. كسكسي الخضار مع مختلف أنواع اللحوم. المسفوف. كسكسي التمر. كسكسي النقانق. كسكسي الفول بزيت الزيتون. كسكسي الشعير. كسكسي السمك وفواكه البحر. في بعض المناطق الساحلية يرافقه السمك بدلاً من اللحم. وفي المناطق الصحراوية يرافقه لحم الجمل. وفي الجنوب يتم تعويض الخضر بالتمر. التنوع الهائل في وصفات الكسكس بالجزائر (أكثر من 300 نوع). يعكس ثراء البيئات الجغرافية والمناخية للبلاد. بالإضافة إلى الإبداع البشري في تكييف الطبق مع الموارد المتاحة. هذا يظهر كيف أن الطبق الواحد يمكن أن يكون لوحة فنية للتعبير الثقافي المتنوع.  

الكسكس في تونس

يطلق عليه أسماء مثل "كسكسي" و"طعام" و"نعمة" و"سكسو" الأمازيغي. تتعلم العائلة التونسية طهو  

الكسكس. حيث تحرص الأمهات والجدات على تعليم بناتهن منذ سن مبكرة. وتقدم لهن الأدوات الخاصة به في المناسبات. يوصف  

الكسكس في تونس بأنه "طبق هوياتي". يحيل على ميثاق اجتماعي يساهم في اندماج الأفراد والجماعات. يحصي التونسيون أكثر من مئة نوع من أطباق  

الكسكس موزعة بين أنحاء البلاد. تتوزع بين أصناف حلوة ومالحة. وما يستعمل فيها اللحم أو يكتفى بالخضراوات. الكسكس في تونس ليس مجرد طبق. إنه ليس مجرد طعام، بل "طبق هوياتي" يصاحب الإنسان في مختلف محطات حياته، من الميلاد وحتى الممات. هذا الارتباط العميق بمحطات الحياة يجعله جزءًا لا يتجزأ من الذاكرة الجماعية والطقوس الاجتماعية. مما يعزز فكرة أن الطعام يمكن أن يكون تجسيدًا حيًا للهوية الثقافية.  

الكسكس في موريتانيا

يشكل الكسكس في موريتانيا استثناء ضمن قائمة طويلة من الأكلات الشعبية التي فقدت مكانها. ويعتبر من أهم الأكلات التراثية التي اشتهرت بين الموريتانيين. واعتبروها وجبة أساسية في غذائهم اليومي. نادراً ما تجد أسرة موريتانية لا تستعمل وجبة  

الكسكس أو لا تصنعها من أحد أصناف الحبوب الزراعية التي تحمل أسماء خاصة مثل "تقليت" و"بشنه" و"أرحي" و"نبان" و"آدلكان". يتميز  

الكسكس الموريتاني باستخدام أدوات شبيهة بتلك المستعملة في مناطق أخرى. لكنها تحمل أسماء مختلفة. مثل "التبصيل" و"المرجن" و"أركاب". يوجد في موريتانيا إقبال خاص على هذه الأكلة. وقد تحول بالنسبة للبعض إلى وسيلة للرزق، إذ تقوم نساء بتحضيره منزليًا وبيعه فيما يُعرف بـ"البريم". تحول الكسكس في موريتانيا إلى مصدر رزق لبعض النسوة. يبرز بعدًا اقتصاديًا للطبق. هذا لا يعكس فقط أهميته الثقافية. بل أيضًا قدرته على دعم سبل العيش والحفاظ على المهارات التقليدية. مما يجعله مثالًا على التراث الحي الذي يساهم في التنمية المحلية.  

الكسكس في ليبيا

على الرغم من أن ليبيا لم تشارك في تصنيف اليونسكو. يعتبر الكسكس أكلة رافقت الليبيين في أفراحهم وأتراحهم. وله تاريخ يتزامن مع تاريخ وجود الإنسان الأمازيغي. يكاد يكون تناول وجبة  

الكسكس محدداً لهوية الإنسان المغاربي. حتى أنه ينسب للرئيس التونسي الراحل الحبيب بورقيبة قوله. "اسألوهم. فإن كانوا يأكلون الكسكس فهم مغاربة". عرف  

الكسكس واشتهر في ليبيا منذ فترة طويلة. وقد حظي هذا الطبق بذكر واسع في مدونات العديد من الرحالة الذين جابوا شمال أفريقيا. ومن بين أولئك الرحالة كان الحسن بن محمد الوزان الفاسي، المعروف باسم "ليون الأفريقي". مقولة الحبيب بورقيبة. التي تربط الكسكس بالهوية المغاربية. ترفع الطبق إلى مستوى التعريف الثقافي والسياسي. هذا يبرز كيف يمكن لرمز غذائي أن يصبح معيارًا للانتماء. مما يعمق فهمنا لدور الطعام في بناء الهوية الجماعية.  

أدوات التحضير التقليدية

يتميز تحضير الكسكس باستعمال أدوات وأواني خاصة. منها "المقفول" و"الكسكاس" (إناءان يوضعان فوق بعضهما. يطهى المرق في السفلى والكسكس في العليا بالبخار). "القصعة" أو "الجفنة" أو "التبصيل" (إناء فخاري يوضع فيه السميد ويروى بالمرق واللحم والخضر). يطلق التونسيون على الشريط الذي يوضع بين الإناءين لمنع تسرب البخار أسماء مثل "اللطام" أو "القفيلة" أو "الحزامية" أو "السدادة". استمرارية استخدام الأدوات التقليدية لتحضير الكسكس. مع اختلاف تسمياتها بين الدول. تعكس الحفاظ على الأصالة والمهارات اليدوية المتوارثة. هذا يظهر أن الطبق ليس فقط مادة غذائية. بل هو عملية ثقافية كاملة تتضمن أدوات وطقوسًا. مما يؤكد على أهمية التراث المادي وغير المادي في الحفاظ على الهوية.  

 

 و / الكسكس: قيمة غذائية ورمز للتلاحم الاجتماعي:

يتجاوز الكسكس كونه طبقًا شهيًا ليصبح مصدرًا للغذاء الصحي. ومركزًا للتفاعلات الاجتماعية التي تعزز الروابط الإنسانية.

الفوائد الصحية

الكسكس غني بالبروتين والألياف الغذائية وفيتامين ب والمعادن. يحوي عدداً أقل من السعرات الحرارية مقارنة بالحبوب الأخرى كالأرز والكينوا. مما يجعله اختياراً أمثل عند اتباع حمية غذائية. البروتين والألياف في  

الكسكس يعملان سوياً للحفاظ على مستوى صحي لسكر الدم. ويوفران إحساساً بالشبع لفترة طويلة. يحتوي على السيلينيوم الذي يلعب دوراً في تعزيز وتقوية جهاز المناعة بالجسم. ويقلل من الالتهابات ويقلل الإجهاد التأكسدي. الفوائد الصحية المتعددة للكسكس. مثل محتواه من الألياف والبروتين والسيلينيوم. قد تكون عاملًا خفيًا وراء استمراريته كغذاء أساسي عبر العصور. وهذا يدل على أن الفهم التقليدي للتغذية كان يعتمد على اختيار أطعمة تلائم احتياجات الجسم فعليًا. مما يعزز مكانة الكسكس كطبق متكامل.  

الكسكس كطقس اجتماعي

يعكس الكسكس. بكل تفاصيله. التلاحم الاجتماعي والإبداع الإنساني من خلال طريقة تحضيره الجماعية. والتي تُبرز روح التعاون والعائلة. تناول الطعام هو أحد الطقوس التي تجمع العائلة والأصدقاء في لقاءات اجتماعية. وغالباً ما يتم تحضير الطعام جماعياً في أوقات معينة من اليوم. مما يعزز الترابط الاجتماعي. يعتبر تقديمه دليلاً على حفاوة الاستقبال والكرم والالتفاف حول مائدة واحدة. بما يعنيه من وحدة واجتماع. الكسكس ليس مجرد طعام يُؤكل. بل هو محور لطقوس اجتماعية تهدف إلى "جمع العائلة والأصدقاء" و"تعزيز الترابط الاجتماعي". هذه الوظيفة الاجتماعية العميقة تجعله أداة لتقوية الروابط المجتمعية والحفاظ على التقاليد الشفهية والمعرفية المرتبطة بالتحضير الجماعي. مما يؤكد أن الطعام يمكن أن يكون عاملًا رئيسيًا في بناء رأس المال الاجتماعي.  

الكسكس في الأفراح والأحزان

يعتبر الكسكس الطبق الرئيس لجميع مناسبات أهل المغرب العربي. سواء في الأفراح أو الأحزان. يرافق  

الكسكس رحلة الإنسان التونسي في جميع مراحل حياته. عند الولادة. الختان. الزواج. والوفاة. في بعض المناطق التونسية. تمتنع عائلة المتوفى عن الطبخ. ويتكفل الجيران بإحضار أطباق الكسكس لإطعام المعزين. في الجزائر. تقدم أطباق  

الكسكس في المناسبات السعيدة. وترافقها أهازيج وأغاني خاصة. ويتخذ طبيعة دينية خاصة حين يقدم في الزوايا الدينية كصدقة. حضور الكسكس في كل من الأفراح والأحزان. ومن الولادة إلى الوفاة. يجعله تجسيدًا حيًا لدورة الحياة نفسها. هذا الارتباط الشامل يضفي عليه قدسية خاصة. ويؤكد على دوره كعنصر استقرار وراحة في أوقات التحول. مما يجعله رمزًا للوجود الإنساني في شمال أفريقيا.  

الكسكس كفن وإبداع

لا يكفي أن تكون طاهياً لتحضير الكسكس. فأنت بحاجة إلى شغف وإيمان بهذا الطبق ليمنحك طعمه الحقيقي ويغدو لذيذًا بحق. وصف تحضير الكسكس بأنه يتطلب "حبًا وإيمانًا". يرفع عملية الطهي من مجرد مهارة إلى فن يتطلب شغفًا. هذا يعكس أن الجودة ليست فقط في المكونات. بل في الروح التي توضع في التحضير. مما يضفي بعدًا إبداعيًا وعاطفيًا على هذا التراث.  

ز / الخاتمة: دعوة للحفاظ على إرث يوحدنا:

لقد رأينا كيف يتجاوز الكسكس كونه مجرد طبق ليصبح رمزًا ثقافيًا عميقًا. يربط شعوب شمال أفريقيا بتاريخ مشترك. وتقاليد متوارثة. وقيم إنسانية نبيلة. من أصوله الأمازيغية العريقة. إلى اعتراف اليونسكو به كتراث عالمي غير مادي. يظل  

الكسكس شهادة حية على قدرة الطعام على توحيد القلوب. وتجاوز الخلافات. إنه مرآة تعكس غنى التنوع الثقافي في المنطقة. وفي الوقت ذاته يؤكد على وحدة جوهرها. فكل حبة من حبيباته. وكل قطرة من مرقه. تروي حكاية تلاحم وتعاون. إنه إرث لا يقدر بثمن. يجب علينا جميعًا أن نعمل على صونه. ونقله بكل فخر للأجيال القادمة. فهل أنت مستعد للمساهمة في الحفاظ على هذا الإرث العظيم. ما هي ذكرياتك مع  

الكسكس وكيف يمثل لك هذا الطبق رمزًا للوحدة. 

 هل لديك استفسار أو رأي؟

يسعدنا دائمًا تواصلك معنا!

يمكنك إرسال ملاحظاتك أو أسئلتك عبر صفحة [اتصل بنا] أو من خلال البريد الإلكتروني الخاص بنا، وسنكون سعداء بالرد عليك في أقرب وقت.


أحدث أقدم

"منصة دوراتك اختيارك الامثل لتطوير ذاتك"

استخدم كود R1 واحصل على خصم اضافي 25% لاول 50مشترك

"منصة دوراتك اختيارك الامثل لتطوير ذاتك"

استخدم كود R1 واحصل على خصم اضافي 25% لاول 50مشترك

استخدم كود R1 واحصل على خصم اضافي 25% لاول 50مشترك

نموذج الاتصال